يتعرض أمن السلطة لانتقادات كبيرة فلسطينياً، بسبب ملاحقته للمقاومين في الضفة، وكذلك الناشطين والأسرى المحررين، في وقت يتصاعد فيه العدوان الإسرائيلي في شمال الضفة، ومع تزايد أعمال المقاومة رداً على ذلك.
تشكو فصائل المقاومة بحسب بيانات صادرة عنها مؤخراً، من ضرب أمن السلطة الحاضنة الداخلية للمقاومة والنسيج المجتمعي الفلسطيني، من خلال مواصلة الاعتقالات والملاحقات السياسية، ما يثير غضباً فلسطينياً داخلياً لا سيما مع استمراره بالتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تلاحق المقاومين وتسعى لتصفيتهم أو اعتقالهم.
منذ أسابيع، تشهد مناطق الضفة تصعيداً إسرائيلياً غير مسبوق فيها منذ عام 2002 (عملية السور الواقي الإسرائيلية)، ليعلن جيش الاحتلال الضفة الغربية المحتلة "ساحة قتال ثانية، بعد غزة، وهي قنبلة تنفجر بالفعل وليست موقوتة"، بحسب صحيفة "إسرائيل اليوم"، ما أدى إلى تصاعد العمليات المقاومة، التي باتت تواجه إلى جانب كله ملاحقة أمن السلطة لها.
تتركز مطالب في الضفة بكف يد الأجهزة الأمنية عن المقاومين والملاحقين، والمشاركة في الالتحام في ميدان المقاومة، للدفاع عن الشعب الفلسطيني وأرضه، في وقت يحاول فيه الاحتلال تصفية القضية الفلسطينية، باستيطان كل من الضفة وقطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين منهما.
ويتبع الطرفان ما يطلق عليها "سياسة الباب الدوار"، حيث يجري اعتقال الفلسطينيين من جيش الاحتلال الإسرائيلي فور إطلاق سراحهم من سجون السلطة الفلسطينية، أو العكس.
وتنتقد أجهزة أمن السلطة، بأنها تسهل في كثير من الأحيان من خلال التنسيق الأمني، دخول الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها من أجل تنفيذ عمليات اعتقال أو اغتيال للمقاومين الفلسطينيين.
لعلّ معالجة الأمر يتطلب استدعاء الماضي، ودراية بتفاصيل كثيرة بشأن الحاضر، في ظل مشهد فلسطيني مُركّب ومعقد بفعل وقائع جيوسياسية فرضها الاحتلال، وتحكم الأخير بمفاصل الحياة الفلسطينية، مروراً باتفاق أوسلو الذي رسم أدواراً توصف بالضعيفة للسلطة الفلسطينية، إلى جانب أزمات المشهد الداخلي للفلسطينيين بفعل الانقسام، والفساد، وسوء الإدارة.
يبرز من بين تلك الأجهزة، جهاز المخابرات، كـ"مُمسك بزمام الأمور"، لدرجة أن الكثير من القرارات السياسية التي يتخذها رئيس السلطة محمود عباس، تقف المخابرات في خلفيتها، عبر توصيات تقدمها مسبقاً للرئاسة، بحسب ما أفاد به مصدر أمني فلسطيني لـ"عربي بوست".
وقال طالباً عدم ذكر اسمه، إن رئيس المخابرات ماجد فرج مكلف بالتواصل الدائم مع أمريكا ودول إقليمية وعالمية، في كثير من الأمور والمستجدات، حتى في الأوقات التي تشهد توتراً بين هذه الدول والقيادة السياسية للسلطة.
تتباين كذلك الأجهزة الأمنية الفلسطينية في معايير اختيار أفرادها، فجهاز الأمن الوقائي أغلب موظفوه منتمون لحركة "فتح"، ومنهم أسرى محررون، يتم دراسة ملفهم السياسي والأمني.
ويمثّل هذا الجهاز "المخابرات الداخلية"، في حين، يبرز جهاز المخابرات العامة برئاسة ماجد فرج "كمخابرات دولة"، وله مهمات خارجية وعابرة للحدود، ويُعد طرفاً في التنسيق الأمني الإقليمي والدولي، وتبادل المعلومات.
بهذا الخصوص، ذكر مصدر سياسي في السلطة لـ"عربي بوست"، أنّ "السلطة ضعيفة عسكرياً، لكنها قوية استخباراتياً، ويعود ذلك إلى امتلاكها بنك معلومات مردّه وجود الشتات الفلسطيني في مختلف أنحاء العالم"، على حد قوله.
التنسيق الأمني.. كل قطعة سلاح مسجلة لدى الاحتلال
القائمون على الأجهزة الأمنية يبررون التنسيق الأمني كأمر واقع، خاصة أن تنسيق الأمور المدنية والحياتية اليومية للفلسطينيين ربطه الاحتلال الإسرائيلي به.
عضو المجلس الثوري لحركة فتح، عبد الإله الأتيرة، قال إن قوات الأمن الفلسطينية وُجدت باتفاق إسرائيلي وفلسطيني ورعاية دولية، بالرغم من أن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات.
وأضاف الأتيرة أن أجهزة أمن السلطة وُجدت لحماية المواطن الفلسطيني، لكنه اعتبر أن أمن السلطة ليس جيشاً فعالاً، وعناصره لا يمتلكون أكثر من "قطعة سلاح بسيطة- بندقية"، وكل واحدة مُسجّلة لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وقال إن تسليح أجهزة الأمن الفلسطينية يجري ضمن مراقبة إسرائيلية مشددة.
أشار كذلك الأتيرة إلى أنه وفق هذا الواقع، من الصعب مطالبة الأمن بمعركة مسلحة مع الاحتلال، خشية من استغلال إسرائيل الأمر لفرض وقائع جديدة، مثلما اتخذت الانتفاضة الثانية ذريعة لإقامة جدار الفصل العنصري.
معبراً عن وجهة نظر حركة فتح في ذلك، قال إن "اتخاذ قرار بالمواجهة المسلحة سيكون مغامرة نهائية تقود إلى تدمير كل شيء، ووقوع خسارات وطنية أكبر".
لكن الأتيرة الذي خدم سابقاً في وزارة الداخلية بالسلطة الفلسطينية، نوّه إلى أن القتل اليومي الذي يمارسه الاحتلال في حق الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم، دفعت بأفراد من الأمن لاتخاذ قرار على عاتقهم بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، إلا أنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول شهداء أمن السلطة الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال، وأعدادها.
وأكد القيادي في فتح، أنه من الملاحظ أن عدد أفراد الأمن الذين يستشهدون خلال العامين الأخيرين قد فاق السنوات الأخيرة، دون توضيح لأعدادهم.
بشأن مصادر تسليح الأمن الفلسطيني، قال الأتيرة إن أوروبا تقدم مساعدات بالتسليح وتدريب جهاز الشرطة، ومنح تدريبات ومساعدات مالية، فيما تقدم الولايات المتحدة خبرات لأمن السلطة، لكنه قال إن هذا الدعم تراجع بالمقارنة مع سنوات ماضية.
وفق مصادر أمنية فلسطينية لـ"عربي بوست"، فإن الاحتلال لا يسمح بتسليح السلطة إلا بأسلحة معينة، ويتم توثيق عددها ونوعها، كما أن الأخير يرفض تلقي أفراد الأمن أنواعاً معينة من التدريبات العسكرية على يد دول عربية وغربية؛ خشية أن يشكلوا "قنبلة موقوتة" تشكل خطراً أمنياً على إسرائيل في وقت ما.
بينت المصادر أيضاً أن الاحتلال، على سبيل المثال، لم يسمح منذ سنوات طويلة إلا بتلقي نحو 100 عنصر فلسطيني تدريباً على القنص، موضحة أن هؤلاء على قائمة الاغتيال الإسرائيلي في أية لحظة تشعر أنهم باتوا فيها يشكلون خطراً عليها، وأنهم تحت مراقبة إسرائيلية مستمرة.
الضفة مجزأة.. والسلطة بلا سيطرة
رغم التنسيق الأمني مع الاحتلال، إلا أنه بحسب مصدر أمني فلسطيني لـ"عربي بوست"، لا وجود لاتفاقيات أمنية مع إسرائيل، وإنما تفاهمات بحكم الأمر الواقع في الضفة.
أوضح أنه بحكم الأمر الواقع، فإن الاحتلال يمسك بزمام الأمور بكل شيء في الضفة أمنياً، وأن أمن السلطة لا يوجد لديه سيطرة على الأرض.
ونوّه إلى أن الكثير من الناس لا يعلمون أن تنسيق الشؤون المدنية والحياتية اليومية للفلسطينيين قد ربطها الاحتلال تحت بند التنسيق الأمني، وذلك لجعله أمراً واقعاً.
- مناطق "أ": تقضي بسيطرة أمنية وإدارية للسلطة.
- مناطق "ب": سيطرة إدارية فقط للسلطة، وأمنية وعسكرية للاحتلال.
- مناطق "ج": يسيطر عليها الاحتلال إدارياً وأمنياً، وتشكل نحو 61% من مساحة الضفة.
هذا يعني، أن السلطة لا تسيطر على الأرض والموارد، كما أن محافظات الضفة مُجزأة إلى كانتونات.